تناولت وسائل الإعلام السويدية خلال اليومين الماضيين خبرًا عن تقديم دعوى قضائية إلى مكتب المدعي العام في مدينة غوتنبرغ السويدية ضد الديكتاتور الإرتري إسياس أفورقي بسبب ارتكابه جرائم ضد الإنسانية.

وقد نشرت أكبر صحيفة يومية سويدية Dagens Nyheter "داجنز نيهيتر" الصادرة يوم الأربعاء الموافق 21/10/2020 تقريرًا يتحدث عن أن اثني عشر محاميًا دوليًّا يعملون في مجال حقوق الإنسان يقفون وراء التقرير الذي تم رفعه إلى النيابة العامة السويدية ضد الديكتاتور الإرتري إسياس أفورقي بسبب ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، التي تعد من الجرائم الخطيرة للغاية بحيث يمكن التحقيق فيها ومعاقبة مرتكبيها في كل مكان في العالم.

وكما أشار تقرير الصحفيين السويدين بيورن تونباك، وإيريك هالكيير، اللذين يعملان مع منظمة "مراسلون بلا حدود"، أن من بين القضايا التي سيتم ملاحقة الرئيس الإرتري بناءً على الدعوة المرفوعة ضده، تأتي قضية الصحفي السويدي من أصل إرتري داويت إسحاق، وقد أكد الصحفيان في تقريرهما أن القانون الجنائي الدولي سيتولى حل هذه المعضلة، بعد أن فشلت كافة الجهود الدبلوماسية لإخراج الصحفي السجين من السجون الإرترية السيئة الصيت.

علمًا بأن الصحفي المعتقل داويت إسحاق يبلغ في الأسبوع المقبل 56 عامًا، وعندما قُبض عليه في إرتريا، كان عمره لا يتجاوز 36 عامًا. ومنذ ذلك الحين بذلت جهود مختلفة من أجل إطلاق سراحه، لكن الجهود الدبلوماسية لم تثمر عن أية نتائج.

جدير بالإشارة أن من بين الشخصيات القانونية البارزة الذين تطوعوا لرفع الدعوى ضد الرئيس الإرتري أفورقي، المحامية الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، شيرين عبادي، ووزير العدل الكندي السابق إيروين كوتلر، ونافي بيلاي، مفوض الأمم المتحدة السابق لحقوق الإنسان، وقاضٍ في كل من المحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الرواندية، وهما محكمتان ساهمتا في السوابق القضائية، وجرائم أخرى ضد الإنسانية على وجه التحديد.

هذا وقدمت الدعوى المشار إليها يوم الأربعاء، الموافق 21/10/2020 إلى مكتب المدعي العام في مدينة غوتنبرغ السويدية (ثاني أكبر مدن السويد وتقع في غرب البلاد)، حيث تعيش أسرة داويت إسحاق السويدية.

الصحفيون الإرتريون يتقدمون صفوف الصحفييين الذين سجنوا لأطول فترة في العالم

جاءت إرتريا في ذيل مؤشر حرية الصحافة لمنظمة "مراسلون بلا حدود" منذ عام 2002، وداويت إسحاق ورفاقه الذين اعتقلوا عام 2001 هم اليوم الصحفيون الذين سجنوا لأطول فترة في العالم كله، ولم تتم إدانتهم بأية جريمة، كما أنه لا يوجد من يعرف مكانهم، ولا يسمح لأحد بمقابلتهم. وقبل أيام قليلة من حملة الاعتقال التي شملتهم، كان النظام الإرتري قد حظر جميع وسائل الإعلام في البلاد باستثناء وسائل الإعلام الخاصة به، ولا تزال الصحف محظورة حتى يومنا هذا، ما جعل إرتريا في ذيل مؤشر حرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود منذ عام 2002.

وذكر التقرير الذي نشرته صحيفة "داجنز نيهيتر" أن محاميي داويت إسحاق السويديين بيرسي برات، وخيسوس ألكالا، تابعا قضيته أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. وكانت مفوضية حقوق الإنسان الأفريقية قد أعلنت قبل بضع سنوات عن أن الحكومة الإرترية تنتهك ميثاق حقوق الإنسان الأفريقي في عدة نقاط. ويعتقد المدعي العام السويدي أيضًا أن هناك أسباب قوية للاشتباه في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قضية داويت إسحاق، بعد صدورتقرير سابق في عام 2016 بهذا الشأن، وأكدت النيابة العامة السويدية أنه من الممكن التحقيق في هذه الشكوك تجاه الحكومة الإرترية هنا في السويد أيضًا، لكن بعد التشاور مع وزارة الخارجية السويدية التي لا تزال تبحث عن الوسيلة الدبلوماسية الأمثل لحل هذه المعضلة، وبالتالي فالنيابة العامة السويدية لا ترغب في الإضرار بالمفاوضات التي تجريها الخارجية السويدية مع ممثلي الحكومة الإرترية بشأن قضية داويت إسحاق.

ونوه التقرير إلى أن موقف النظام القضائي السويدي أذهل أحد المحامين الذين يقفون وراء هذا التقرير ضد الحكومة الإرترية، وهو الأستاذ فرانس فيلجوين من جنوب إفريقيا، عند اللقاء به في اجتماع للجنة الأفريقية، وتساءل هل ليس لدى السويد قضاء مستقل أم لا؟ كما شعرت العديد من مجموعات حقوق الإنسان الأفريقية بخيبة أمل لأن السويد، المعروفة بدفاعها عن حقوق الإنسان، لم تحقق في الجرائم المشتبه بها ضد الإنسانية التي تم ارتكابها ضد مواطن سويدي. ومن بين أولئك الذين أصيبوا بخيبة أمل هناك غاي سو من غامبيا، الذي يقف أيضًا وراء التقرير الموجه ضد الحكومة الإرترية، كما أنه يترأس معهدًا لمتابعة قضايا حقوق الإنسان ضمن النظام القانوني الأفريقي.

ونوه التقرير إلى أن المفوضية الأفريقية تطالب بالإفراج عن داويت وزملائه باستمرار لكن لا شيء يحدث، وحتى عملية السلام مع الجارة، والعدو القديم، إثيوبيا منذ عام 2018، لم تؤد إلى أن يفتح النظام الإرتري سجونه، على الرغم من حقيقة أن التهديد من إثيوبيا كان أحد حجج النظام لاحتجاز السجناء السياسيين. وفي عام 2016، قضت لجنة التحقيق الخاصة التابعة للأمم المتحدة بأن الجرائم ضد الإنسانية مستمرة على نطاق واسع في إرتريا. وطلبت اللجنة من جميع الدول محاكمة المتهمين بارتكاب هذه الجرائم، ويمكن للسويد الآن متابعة هذا الموضوع.

جرائم نظام إرتريا ليست موجهة فقط ضد المعتقلين وأسرهم، بل تعد جريمة ضد الإنسانية.

وأشارت الصحف السويدية إلى أن جميع المحامين الذين وقعوا على التقرير الذي رفع إلى النيابة العامة السويدية، من بينهم الأستاذ البريطاني ورئيس منظمة القلم فيليب سان، والمحامي الإرتري في المنفى والقاضي السابق دانئيل مكونن، وأحد كبار محامي حقوق الإنسان في ألمانيا برنارد دوك، والرئيس السابق للجنة حقوق الإنسان الأفريقية، بانسي تلاكولا، أكدوا على أن ما يحدث في إرتريا من جرائم ليس موجهًا فقط ضد المعتقلين وأسرهم، بل يعد جريمة ضد الإنسانية. وبالإضافة إلى الرئيس الإرتري إسياس أفورقي هناك في التقرير متهمين آخرين، من بينهم وزيري الخارجية والإعلام في حكومة الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، اللذان يزوران أوروبَّا أحيانًا، وهناك وزير آخر لديه أخت تقيم في العاصمة السويدية ستوكهولم، يقوم بزيارتها في مناسبات مختلفة، هؤلاء يمكن وقفهم وأخذهم للاستجواب، وبالتالي فإن هناك أمام العالم، وأمام النظام القانوني السويدي الآن فرصة لإنهاء هذا الموضوع، باعتباره أمر عاجل، لأنه لا أحد يعرف كم من الوقت سيبقى داويت إسحاق وزملاؤه على قيد.

هذا وقد رحب المكتب التنفيذي للمجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي بهذه الخطوة الشجاعة ودعا كافة العاملين الإرتريين في المجال الحقوق والقانوني إلى تكثيف التحرك من أجل تصعيد هذا الأمر حتى يقدم الديكتاتور إسياس وزمرته إلى محكمة الجنايات الدولية أسوة بأمثاله من الديكتاتوريين الذي ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية بحق شعوبهم.

مكتب الإعلام والثقافة

للمجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي

23 أكتوبر 2020